9 يناير 2016

نماذج من حرص السلف على السنة

لقد كان السلف الصالح شديدي الحرص على تتبع سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم
قال عبد الرحمن بن مهدي : سمعت سفيان يقول : ما بلغني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حديث قط إلا عملت به ولو مرة . ......السير 7/242
- روى مسلم في صحيحه حديث النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ. قَالَ: حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ».
قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ .
وَقَالَ عَنْبَسَةُ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَنْبَسَةَ.
وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ.
- حديث عَلِي رضي الله عنه: أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِي يَدِهَا. وَأَتَى النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم سَبْيٌ. فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ. وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ. فَأَخْبَرَتْهَا. فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم ، أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا. فَجَاءَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم إِلَيْنَا. وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا. فَذَهَبْنَا نَقُومُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي. ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْراً مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَنْ تُكَبِّرَا اللّهَ أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ. وَتُسَبِّحَاهُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ. وَتَحْمَدَاهُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ. فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ». رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قِيلَ لَهُ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ.
ومعلومٌ أن ليلة صفين ليلة دارت فيها معركة كان عليٌّ رضي الله عنه قائداً فيها ومع ذلك لم ينشغل عن هذه السنة .
- كان ابن عمر رضي الله عنه يصلي على الجنازة ثم ينصرف ولا يتبعها ظانَّاً أن هذا هو كمال السنة , ولم يعلم بالفضل الوارد في إتباعها حتى تدفن , فلما بلغه حديث أبي هريرة رضي الله عنه ندم على فوات السنة وتأمل ماذا قال . عن عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ وَقَّاصٍ ، أَنَّهُ كَانَ قَاعِداً عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. إذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ! أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ؟ إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا. ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ. كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ. وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنَ الاٌّجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ»؟ فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه خَبَّابَّاً إلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه . ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ مَا قَالَتْ: وَأَخَذَ ابْن عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ. حَتَّى رَجِعَ إلَيْهِ الرَّسُولُ , فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ. فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الاٌّرْضَ . ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. رواه البخاري ومسلم .
قال النووي – رحمه الله- : " وفيه ما كان الصحابة عليه من الرغبة في الطاعات حين يبلغهم , والتأسف على ما يفوتهم منها وإن كانوا لا يعلمون عظم موقعه "
- حديث سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ قَرِيباً لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ . قَالَ فَنَهَاهُ وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللّهِ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ وَقَالَ: «إنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْداً وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوّاً. وَلكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» قَالَ فَعَادَ فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ نَهَى عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَداً. رواه البخاري ومسلم ,
والخذف هو رمي الإنسان بحصاة أو نواة ونحوهما يجعلها بين أصبعيه السبابتين أو الإبهام والسبابة.
والنماذج في حفاظهم على السنة وتعظيمها كثيرة ولا عجب فقد كانوا أحرص الناس على الخير , وهكذا تأثر بهم مَن بعدهم من السلف والقرون المفضلة , وأصبح التأريخ يسطر لنا ممن تبع أولئك الرجال في التمسك بالسنة نماذج تشجع النفس على الحرص على السنة واقتفائها ,
وقال ابن القيم -رحمه الله- ( في اجتماع الجيوش ) : " ترى صاحب اتباع الأمر والسنة قد كُسي من الرَوح والنور ومايتبعهما من الحلاوة والمهابة والجلالة والقبول ما قد حُرِمه غيره كما قال الحسن: " إن المؤمن من رُزق حلاوةً ومهابة "
قال الإمام البربهاري -رحمه الله-: (إذا رأيت الرجل من أهل السنة رديء الطريق والمذهب ، فاسقا فاجرا ، صاحب معاص ، ضالا ، وهو على السنة ، فاصحبه ، واجلس معه ، فإنه ليس يضرك معصيته . وإذا رأيت الرجل مجتهدا في العبادة ، متقشفا ، محترقا بالعبادة ، صاحب هوى ، فلا تجالسه ، ولا تقعد معه ، ولا تسمع كلامه ، ولا تمشي معه في طريق ، فإني لا آمن أن تستحلي طريقته فتهلك معه .) شرح السنة : 124 رقم 149

قال أحمد بن أبي الحـواري -رحمه الله-: " من عمـل عملاً بلا إتباع سنة فباطل عمله "
أخرجه المزي في تهذيب الكمال 1 / 374 ، وذكره الشاطبي في الاعتصام ص 95 ، وابن القيم في مدارج السالكين 2 / 465 ، 3 / 119 ، وابن أبي جرادة في بغية الطلب في تاريخ حلب 2 / 955 ، والسيوطي في مفتاح الجنة ص71 .
قال الامام الاوزاعي -رحمه الله- '' اصبرنفسك على السنة و قف حيث وقف القوم و قل بما قالوا و كف عما كفوا واسلك سبيل سلفك الصالح فانه يسعك ماوسعهم'''
اتقوا الله معشر المسلمين، واقبلوا نصح الناصحين، وعظة الواعظين، واعلموا أن هذا العلم دين فانظروا ما تصنعون وعمن تأخذون وبمن تقتدون ومن على دينكم تأمنون؛ فإن أهل البدع كلهم مبطلون أفّاكون آثمون لا يرعوون ولا ينظرون ولا يتقون. إلى أن قال: فكونوا لهم حذرين متهمين رافضين مجانبين، فإن علماءكم الأولين ومن صلح من المتأخرين كذلك كانوا يفعلون ويأمرون.
[تاريخ دمشق ( 6/362 )]
وهذا الإمام أحمد : رحمه الله وضع في كتابه المسند فوق أربعين ألف حديث، لكنه عمل بها كلها، قال: ما تركت حديثاً إلا عملت به، ولما قرأ " أن النبي صلي الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة الحجام ديناراً " قال: احتجمت وأعطيت الحجام ديناراً، والدينار أربعة غرامات وربع من الذهب، لكن لأجل تطبيق الحديث بذلها الإمام أحمد رحمه الله تعالى
والنماذج في هذا الصدد كثيرة , نسأل الله أن يحيي سنة نبينا صلي الله عليه وسلم في قلوبنا لتنال من الفضائل والمِنَحِ والقُرْبِ من الله جل وعلا ما استودعه في سنة نبيه صلي الله عليه وسلم فباتباع السنة ينال الإنسان ذلك ,
ولذا يقول ابن القيم ( في المدارج ) " قال ابن عطاء : من ألزم نفسه آداب السنة نوَّر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه"
اما اليوم:
ما يشهده واقعنا من التفريط في سنة النبي صلي الله تعالي عليه وعلي اخوانه واله وسلم وامتثالها بحجة أنها مما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها , ولكن الرعيل الاول ( الصحب الكرام) كانوا لايفرقون في الأوامر بين الواجبات والمستحبات من حيث السؤال والتطبيق , والعجب ممن يعرف فضائل عديدة وعظيمة في سنن كثيرة علمها ولم يعمل بها ولو لمرة واحدة ! ويزداد عجبي حينما يُرى من تظهر عليه مظاهر الصلاح والاستقامة وحب الخير ويُرى مفرطاً في كثير من السنن بل جُلَّها !! فلا تجد سنة النبي صلي الله تعالي عليه وعلي اخوانه واله وسلم ظاهرة عليه في سمته وأخلاقه وتعامله وعبادته , بل ربما كان هذا شأن بعض مَنْ طَلَبَ العلم وحَرِصَ عليه , ثم تراه متراجعاً في عمله وحرصه على السنة مع معرفته بكثير من المسائل العلمية والسنن النبوية ,
ولئن كان السلف يعرِّفون العلم بالخشية التي تورث زيادةً في الطاعات والعبادات والحرص عليها فما مدى تأثير علمنا ومعرفتنا بالأدلة كثير من المسائل في تطبيق كثير من السنن والعبادات ؟ وكذا الحال عند النساء والصالحات منهن على وجه الخصوص , فلطالما مرَّت على أسماعنا كثير من السنن لكنها عارية عن التطبيق نعلمها ولم نعمل بها , قال أحدهم لآخر يستكثر من العلم و لا يعمل : "يا هذا إذا أفنيت عمرك في جمع السلاح فمتى تقاتل ؟ " ولقد كان السلف رحمهم الله يذمُّون من يعلم ولا يعمل , وكذا من يجمع العلم بلا عمل ولما بكَّر أصحاب الحديث مرةً على الأوزاعي التفت إليهم، فقال: "كم من حريصٍ جامعٍ جاشعٍ ليس بمنتفعٍ ولا نافعٍ".
ولما رأى الخطيب البغدادي رحمه الله كثرة من يهتم برواية الحديث وحفظه مع قلة العمل ألَّف رسالة قيِّمة عنوانها (اقتضاء العلم العمل) فما تقدَّم هو حال كثير منَّا ولا أنكر أن هناك نماذج مشرقة في واقعنا , لكن مظاهر التفريط بالسنَّة كثيرة.
منقول
 أحمد عبد الحميد المصري حفظه الله